تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن حالات الإعاقة الذهنية في السعودية تبلغ 12.336حالة، يمثل الذكور 59.4% منها، ويمثل التخلف العقلي المتوسط 53.3% من هذه الحالات، والتخلف العقلي الشديد 28.7%، والتخلف العقلي البسيط 11.8%، أما الأمراض العقلية فتمثل 6.2%.
وعلى الرغم من أن هناك اهتماماً كبيراً بفئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية، إلا أن جميع المراكز مع اختلاف جودتها تقدم خدماتها لفئة عمرية محددة وهي من سن 3 سنوات وحتى 12 عاماً. ونتج عن ذلك، أن الفئة العمرية الأكبر من 13 عاماً، لم يلتفت إليهم أحد.
ويعد هذا السن من أكثر المراحل خطراً وتطوراً في الطفل المعاق، حيث يمر بتغيرات فسيولوجية ونفسية وجسدية، وغيرها، وهي مرحلة المراهقة التي تمثل حوالي 40.8% من إجمالي الحالات البالغة 105.929 حالة.
أول مركز لما فوق الثالثة عشرة
وتنبه أحد رجال الأعمال إلى هذه النقطة الحساسة، فأنشأ مركزاً متخصصاً لهذه الفئة العمرية المهملة. وكان لـ"الوطن" حديث مع مدير المركز باسم الشريف، الذي أشار إلى أنه مهتم بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة منذ أيام دراسته، حيث كان مشروع تخرجه عام 1989 ذا صلة كبيرة بـ"الهاند كاب"، إلا أنه لم يكن يملك إمكانيات تسمح له بإنشاء مركز متخصص لذوي الاحتياجات الخاصة. وعندما عزم على ذلك قام بعمل دراسة ميدانية ومسح شامل على المراكز، ولاحظ أن هناك فئة عمريه مظلومة ولا تجد من يهتم بها، وهم الفتيان ابتداءً من عمر 13 عاماً، هذا إلى جانب اهتمام العديد من المراكز الخاصة بأن يتعلم المعاق القراءة والكتابة فقط، وبالطبع هذا ليس ممكناً لأنه سيصل إلى مرحلة معينة من التعليم الأكاديمي، ثم تتوقف قدرته العقلية عن استقبال ذلك، خاصة مع إقباله على مرحلة المراهقة التي تزيد فيها الطاقة وتزيد فيها التغيرات النفسية والجسمية مما يحول دون ذلك.
ويضيف الشريف "ومن هنا فكرنا في توجيه الفتى المعاق إلى جهة أخرى تحقق له الخروج إلى الحياة والعمل، ويتعلم كيفية التعامل مع الناس بل ويكون له تأثيره على الآخرين، وذلك لن يتحقق إلا إذا تعلم مهنة تؤهله للخروج إلى المجتمع بثقة. ويؤكد على ضرورة الاهتمام بتوفير الثقة للمعاق بدلاً من الشفقة.
ولذلك اهتم الشريف بأن يكون 75% من خدمات المركز مهنية حرفية، و25% أكاديمياً وسلوكياً.
مجمع ورش مهنية
المكان عندما زارته "الوطن" كان يعطي إيحاءً من الوهلة الأولى، وكأنه مجمع من الورش المهنية المختلفة، والتي يسعد الفتى كثيراً عندما يبدأ نشاطه بها. ومن أهم هذه الورش نجد ورشة النجارة التي يشرف عليها متخصصون، وأيضا ورش الفخار وورش الخزف، والتي يشرف عليها أيضاً متخصصون. ويؤكد الشريف على أنه سيقيم للطلاب معرضين في السنة ليقدموا منتجاتهم للناس ويثبتوا للجميع أنهم قادرون على فعل الكثير ولكنهم يفتقدون إلى من يعطيهم الفرصة.
توظيف أول دفعة
ويشير الشريف إلى أن هناك أيضا مهنة أخرى استطاع أحد طلاب مركزه إتقانها بشدة، وهي التصوير والتغليف دون مساعدة. وقد حقق أعلى الدرجات والمستويات بهذه المهنة، وسيكون أول طالب يوظف في المركز نفسه، حيث سيقوم بعمله لمدة ساعة في اليوم ثم يعود إلى فصله باقي اليوم، حتى لا يحرم من بقية الأنشطة. كما أكد على أنه ينوي توظيف أول دفعة من الطلاب الذين يتدربون على الأعمال المكتبية مثل التصوير والتغليف والكتابة على الكمبيوتر في الشركة التي يديرها، وأشار إلى أن هذا هدف وحلم يتطلع إلى تحقيقه.
أما عن أصعب الحالات التي استقبلها المركز فيشير الشريف إلى أن أصعبها تلك المصاحبة لحالات الصرع، وهذه الحالات تحتاج إلى متابعة مستمرة بوجود القسم الطبي في المركز تحت إشراف طبيب متخصص، أما بالنسبة للأنشطة فنحاول توجيهها إلى أعمال ليس بها أخطار مثل الأعمال المكتبية والتصوير وترتيب الملفات بعيداً عن النجارة والفخار التي يستخدم فيها بعض الأدوات الحادة. هذا إلى جانب حالة واحدة لفتى متعدد الإعاقات، يتم تدريبه على الكمبيوتر، حيث استطاع المختص أن يعرف مكامن موهبته، والى أي اتجاه يمكن توجيهه واستغلال طاقته فيما يحب ويرضى. وبالطبع هناك قسم للعلاج الطبيعي والنفسي إلى جانب القسم الأكاديمي.
تربية بدنية وسباحة
وهناك إلى جانب هذه الأقسام المهنية قسم السباحة والتربية البدنية والتي تخوف منها بعض أولياء الأمور، حيث إنهم دائماً ما يحرمون ابنهم المعاق من الاستمتاع بالسباحة سواء على الشواطئ أو في حمامات السباحة مثل أقرانه خوفاً عليه، لهذا قرر الشريف وجود مثل هذا النشاط تحت إشراف محترفين وبمقاييس أمان سواء على مستوى المسبح نفسه أو المكان، لما لهذا النشاط من أهمية في تدعيم ثقة الفتى بنفسه. وقد حقق الفتيان الكثير من المهارات في السباحة بعد تدريب طويل ومتقن، وقد يشاركون في يوم ما في إحدى المسابقات أو الأولمبياد الخاصة بهذه الفئة.
صعوبات تواجه المشروع
أما بخصوص الصعوبات التي واجهها في تنفيذ مشروعه فيقول الشريف إن الصعوبة الكبيرة تكمن في الروتين الحكومي وإن له العديد من التعاملات والكثير منها معطل، لهذا يطالب بالمزيد من المرونة خاصة مع مثل هذه المشروعات الخيرية، فالعديد من رجال الأعمال يفقدون الصبر من كثرة الإجراءات، وبطئها مما يجعلهم يوقفون المشروع، ويشير الشريف إلى أن مثل هذه المشروعات التي تقدم خدمات لمثل هذه الفئة، يجب أن يتم التسهيل لها طبعاً في حدود الانضباط.
ويشير الشريف إلى أهمية تبرعات أهل الخير لمثل هذه المشروعات، حيث إن هناك أولياء أمور غير قادرين على تكاليف التحاق ابنهم بمثل هذه المراكز والتي قد يتهمها البعض بأن تكاليفها كبيرة. ويشير الشريف إلى أنه يجب أن يكون هناك تقدير للإمكانيات التي تقوم عليها هذه المشروعات حيث إنها تحتاج إلى فريق عمل كبير، فهناك بعض الحالات التي تحتاج إلى اثنين من المتخصصين، هذا إلى جانب أن الفصل لا يزيد عدده عن خمسة فتيان.
وقال الشريف إنه يأمل في إنشاء قسم داخلي للفتيان من هذه الفئة، والسبب في ذلك رؤيته العديد من أولياء الأمور في حاله نفسية سيئة للغاية عندما يضطرون لإرسال ابنهم إلى مراكز في إحدى الدول المجاورة، مما يسيئ إلى نفسية الطفل بسبب بعده عن أهله، فالخطأ أن تعتقد بأنهم لا يشعرون بمثل هذه الأحاسيس، فهم أكثر المخلوقات حساسية. وسيكون هذا القسم تحت إشراف متخصصين ذوي ثقة، لما لهذا القسم من أهمية كبيرة ومسؤولية أيضا كبيرة.