وقد جمعته من عدة كتب وكذلك من الشبكة ( الانتر نت )
من أجل الفائدة أرجو ان تعم الفائدة للجميع
لك في المحافل منطقُ يشفي الجوى **** ويسوغُ في أذن الأديـب سُلافُـه
فكـأنّ لفظـكَ لـؤلـؤ متنـخّـلٌ **** وكأنّـمـا آذانـنـا أصـدافــه
حديثك حلو المنطق ، بهيّ المشرق ، عذب المذاق ، سهل الفهم ، رائق رقراق .
قلمك الجميل ذهبي الحرف ، ماسي الهدف ، حسن السبك ، شائق جذّاب .
ما أجمل هذه الأوصاف !
لكن… من هم المتصفون بجوهرها ، وكيف يمكننا التحلّي بعقودها ؟!
الأخوة الأدباء الأفاضل ..
لست آتي بجديد ، بل هو تكرار للمفهوم ، وتذكير بالمعلوم ،
من بئركم سأغترفته ، وفي دلائكم سأصبه .
فمرحبا بالمرتادين ..
خطواتي الآتي تدوينها حري بي وبكم – إذا كنّا نكتب هنا ، أونتكلّم هناك في مدارج التعليم
وميادين العمل – أن نعمل بها ونتبعها ؛ لنرتدي وشاح الجمال الذي تهدينا إياه لغتنا الفاتنة .
إليكم خطوات الوصول إلى الغاية عند الحديث والكتابة …
أولا : الاستفتاح أو الاستهلال وهو ما نسميه ( المقدمة ) :
هي أول ما يدبّ إلى الوجدان ، ويقرع الآذان ، ديباجة كلّ كلام ، إن أحسن الكاتب ديباجته ، ووفّق في مبدأ حديثه
وعى المتلقي بقية موضوعه ، وأقبل عليه بفكر حاضر ، ونفس متعطشة .
ومن براعة الاستهلال : استخدام أسلوب الاستفهام ، والنفي ، والحكم البليغة ، والأبيات الجميلة ..
وحتى نكون وإياكم في الصورة إليكم نماذج من الابتداءات المذهلة ، من الشعر والنثر ، التي تناسب الغرض المقصود :
* قال المتنبي يعتب ويتلطف :
أتظنني من زلّة أتعتّب ***** قلبي أرقُّ عليك مما تحسبُ .
* وقال آخر :
زمّوا الجمال ، فقل للعاذل الجابي ….. لا عاصم اليوم من مدرار أجفاني .
*وأوصى هارون الرشيد معلم ابنه الأمين بما كانت بدايته :
( يا أحمر : إنّ أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصيّر يده عليك مبسوطة ، وطاعته لك واجبة )
وفي مقدمة لمناظرة ساقها كاتبها بين الليل والنّهار جاء أولها :
( لمّــا أسفر النّهار عن بياض الغرّة ، قابله الليل بسواد الطّرة ، ثم صار
الهزل جدًا ، واشتد النزاع بينهما جدّا ، فاستنجد كل منهما أميره ، وأفشى له سرّه وضميره …)
تلك بعض النماذج التي ظهر لنا فيها براعة اللفظ وسطوة الخيال ، مع إحضار ٍ للمقصود ، وبعدٍ عن الغلول .
هذا وعلى المبتدئ لحديثه أن يتخيّر اللفظ المناسب للغرض ، فإن كان مديحًا أو فخرًا أو غزلا فليكن كذلك ،
وإن كان هجاء أو رثاء أو غيره فبمثله يكون .
* وليحترز أكثر حين يكون الأمر ثناء وفخرًا ؛ فقد أخطأ بعضهم الاستهلال في المديح ؛ فبلغ غاية الضدّ بالتشاؤم والطيرة ..
من ذلك ما أحدثه ذو الرمة من نفور في نفس هشام بن عبد الملك بمقدمة قصيدته ( البائية ) التي جاء فيها :
مابــــال عينك منها المــــاء ينســـــكب ؟
قال هشام في الحال : ( بل عينك ) .
* كما أخفق جرير ( الشاعر الأموي المبدع ) في قصيدته التي مدح بها عبد الملك بن مروان ، حين قال في مطلعها :
أتصحو أم فؤادك غير صاح ٍ ….. عشيّة همّ صحبك بالرواح ؟!
قال عبد الملك منكرًا هذه المقدمة : ( بل فؤادك أنت يا بن المراغة …..) ؛
لأنّ في البيت ما يوهم أنّ المخاطب هو الخليفة ، في حين أنّ الشاعر قصد ذاته وعقله .
* وأنشد ابن مقاتل الداعي العلوي قصيدة كان أولها :
موعدُ أحبــــابك بالفرقة غـــــد ِ .
فقال له الداعي : ( موعدُ أحبابك ولك المثل سواء ) .
نماذجنا المختارة السابقة مثلها كثير في أقوالنا اليوم ، إذ نعجز عن إيصال المقصود ؛ فنقع في المحظور المرفوض .. !
ولكن حين يجعل الكاتب أوالمتحدث قلبه وعاءً لمعناه ، والعقل متنفسًا لهواه جاء كما يريد وإن لم
يكن لذلك مستعدًا ، من ذلك قول الشاعر الذي ارتجل مديحه وهو يرى أنّه عاجز عن الوفاء لممدوحه :
جاء في جواهر الأدب هذه النصيحة :
( إذا لم تسمح لك الطبيعة بنظم الكلام من أول وهلة ، وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة ، فلا تعجل ،
ودعه سحابة يومك ، وأمهله سواد ليلتك ، وعاوده عند نشاطك ، فإنّك لا تُعدم الإجابة والمواتاة )
ثانيًا : العرض .
وفيه التخلّص من المقدمة والانتقال إلى صلب الموضوع وغايته ، وعليه يستوجب الملائمة بين
المقدمة والغاية ، لأن المتلقي يكون مشدود الانتباه بعد المقدمة الجيدة ، وهذا التلاؤم من شأنه
أن يحرّك نشاط المتلقي ، ويزيد من إقباله على المتابعة والاستمرار .
ومن جميل حسن الانتقال من المقدمة إلى العرض قول المتنبي حين انتقل من التشبّب إلى المديح :
وفي العرض لابد من التنوّع في الأساليب قدر الإمكان ، فمن الأساليب الجميلة :
* أسلوب الشرط ، أسلوب التمني أو الترجي ، الاستفهام ، الطلب بالأمر والنهي ،
الحض بهلا ، والعرض بألا .
وحبّذا إدخال بعض أقوال السلف من المأثور والحكم ، وما فاضت به كتب الأدب من روائع الشعر والنثر …
* وجميل أن يسبح الكاتب في الخيال ؛ ليقرّب المعنى إلى الذهن ، ويصبّ المعنى في قالب التصوير البياني البليغ .
*والكاتب المبدع من يستطيع أن يجعل في أسطره أنواعًا من الموسيقا ؛ لتحببّ المتلقي ، وتثير مشاعره ،
فما أجمل الطباق ( الشيء وضده ) والجناس ، والتكرار ، وفن الألغاز …..!
يقول عبد العزيز الجرجاني :
( والشاعر الحاذق يجتهد في تحسين الاستهلال والتخلّص وبعدها الخاتمة ، فإنّها المواقف
التي تستعطف أسماع الحضور ، وتستميلهم إلى الإصغاء ) انتهى كلامه .
( يقصد بالتخلّّص انتقال الشاعر من الديباجة التي هي الاستهلال إلى الغرض )
ثالثًا : الخاتمة .
وهي خلاصة القول ومنتهاه ، وفيها يبلغ المتلقي غاية الإشباع من العمل الأدبي ،
وهو ما يترسم في ذهنه ، فإن أجاد الأديب في خاتمة نال مقصده وحقق هدفه ..
ألسنا نقول : العبرة بالخواتيم .. ؟
وربما أفصح الأديب عن مطلبه في هذه الخاتمة ، وقد يجيد في خاتمته لبدرجة تمحو كل
تقصير في المقدمة والعرض ..
والمؤسف أن يخفق في اختياره لها ؛ فيمحو بهذا محاسن ما سبق
ألا فليتنبه الكاتب لهذا .
*************
* من جميل ما ختم به الكلام قول الشاعر :
فلا حطّت لك الهيجاء سرجًا …… ولا ذاقت لك الدنيا فراقا .
* وفي الختام يحسن أن تكون الجمل مفصولة لا موصولة ، وبهذا يتميز المقال من خاتمته ، فتقول
مثلا كما قال أرسطو : ( فعلت ما أردت أن أفعل ، وقد استمعتم إلى ما سقت من حجج ،
أمامكم الحقائق ، أطلب منكم الحكم عليها ) .
وهناك من يفضل الانتهاء بالدعاء ، ولكن لابد أن يسبقه ختام للمضمون .
وكل عام وأنتم بخير
[size="6"]حبّذا لو نسخت لنا أنموذجًا يُحتذى به من المقالات الجميلة شاكرين لك ما قدمت متمنين لك المزيد من النفيس المفيد.[/size]