تعتبر السكتة الدماغية السبب الثاني للوفاة والمرض، أما الاكتئاب فقد كان السبب الرابع للإعاقة عام 1990، ويتوقع أن يكون السبب الثاني بعد أمراض شرايين القلب عام 2024. والسكتة الدماغية من أهم الأمراض التي تتسبب في حدوث الاكتئاب كما أن الاكتئاب أحد عوامل الخطر المسببة للسكتة فالاكتئاب يصيب ما يقرب من 40% من مرضى السكتة، وتشير معظم الدراسات إلى أن حدوث الاكتئاب يرتبط أكثر بحدوث الجلطة أو النزيف في الناحية اليسرى من المخ، وكلما كان التلف أقرب إلى الفص الأمامي، زادت شدة الاكتئاب، ولا يتوقف حدوث الاكتئاب على مكان التلف فقط، ولكن على عوامل أخرى منها كون المريض أنثى، وكذلك شدة التلف ووجود إعاقة وبخاصة في النطق، كما أن وجود تاريخ سابق أو عائلي للمرض يزيد من احتمال حدوث الاكتئاب، وقد يكون تشخيص الاكتئاب في هؤلاء المرضى صعبا خصوصا إذا كان لديهم عدم قدرة على الكلام ولذا يجب الاعتماد على العلامات السريرية مثل الحزن الدائم، وفقدان الاستمتاع بالأشياء والبكاء والأرق وفقدان الشهية للأكل ورفض الأدوية والتجاوب مع تعليمات الأطباء بدلا من الاعتماد على الأعراض. وقد وجدت دراسة طولية لمتابعة مرضى السكتة لمدة عامين أن 26% منهم لديهم اكتئاب شديد، بينما 20% لديهم اكتئاب بسيط، وأن 86% من الذين لديهم اكتئاب شديد استمر معهم الاكتئاب لمدة ستة شهور، ثم انخفضت هذه النسبة إلى 20% بعد عام بينما 60% من مرضى الاكتئاب البسيط استمر معهم لمدة عام. كما وجدت الدراسة أن 30% من المرضى أصيبوا بالاكتئاب بعد خروجهم من المستشفى، وفي دراسة قيمة نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي عام 1993 لمتابعة هؤلاء المرضى لمدة عشر سنوات وجد أن نسبة الوفاة في مرضى السكتة المكتئبين أكثر من غير المكتئبين بأربعة أضعاف حتى بعد الضبط الإحصائي لكل عوامل الخطر الأخرى. أما بالنسبة للعلاج فهناك عقاران من مضادات الاكتئاب ثبتت فاعليتهما في علاج مثل هذه الحالات في دراستين محكمتين، وقد وجدت دراسة حديثة ألقيت في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للطب النفسي في (نيو أورليانز) عام أن أحد مضادات الاكتئاب الحديثة قد نجح في منع حدوث الاكتئاب بعد حدوث السكتة حيث كانت نسبة الاكتئاب مع الدواء الوهمي خمسة أضعاف تلك النسبة مع الدواء الحقيقي بعد متابعة لمدة عام، وهو ما يثبت أن مضادات الاكتئاب ليست قادرة فقط على علاج اكتئاب ما بعد السكتة، ولكن أيضا على منع حدوثه إذا أخذت في بداية المرض، وقبل حدوث الاكتئاب، أما الدراسة الرائعة التي نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي في أكتوبر وقد تمت في جامعة (أيوا) الأمريكية فقد وجدت أن استخدام مضادات الاكتئاب لمدة 12 أسبوعاً بعد السكتة قد خفض نسبة الوفاة في هؤلاء المرضى المكتئبين منهم، وغير المكتئبين إلى النصف بعد تسع سنوات من المتابعة، وبعد الضبط الإحصائي لعوامل الخطر الأخرى، وهو ما يثبت أن مضادات الاكتئاب قد تقلل نسبة الوفاة لا لأنها تعالج الاكتئاب فقط ولكن لأسباب أخرى مثل تقليل نسبة حدوث النوبات القلبية في هؤلاء المرضى، وهو ما ثبت علميا في دراسة أخرى. إن نتائج هذه الدراسة العلمية المهمة التي تحتاج إلى تأكيد تفتح باب البحث العلمي على مصراعية لدراسة طريقة عمل مضادات الاكتئاب في تقليل نسبة الوفاة في هؤلاء المرضى، وتطرح سؤالا مهما وهو: هل يأتي اليوم الذي توصف فيه مضادات الاكتئاب لمرضى السكتة وجلطة القلب مثل الأسبرين؟!.
د.مدحت بسيوني إبراهيم
استشاري الطب النفسي، مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث – جدة