ناصر الحجيلان
قامت وزارة التربية والتعليم مؤخرًا بصياغة ما أسمته "ميثاق أخلاقيّات مهنة التعليم" الذي أعدّته لجان في الوزارة. وقد أعلن معالي وزير التربية والتعليم العام الماضي في 15فبراير ، لبعض الصحف ومنها هذه الجريدة (عدد 13750) عن ظهور ميثاق أخلاقيات التعليم. وطُبع هذا الميثاق طباعة فاخرة في كتيّب يتكون من خمس عشرة صفحة ووزّع على الجهات التعليمية والمدارس. وأقامت الوزارة حفل تدشين لهذا الإصدار بتاريخ 4أكتوبر ؛ وقد غُطّي تغطية جيدة من وسائل الإعلام المختلفة.
والحقيقة أن ظاهر هذا العمل يبدو لنا جميلا باعتباره عملا تربويًا له صبغة علميّة من خلال اهتمامه بمختلف عناصر العمليّة التعليمية. ورغم وجود ملاحظات منهجية وأخطاء لغوية وأسلوبية كثيرة على صياغة الميثاق إلا أن المفاجأة الكبرى التي يجدها من يطلع على هذا الميثاق أنه صورة كربونيّة منقولة من كتاب آخر مع إجراء بعض التعديلات اليسيرة. ويتعجب قارىء هذا الميثاق حينما يبحث عن أي إشارة إلى المصدر فلا يجدها على الرغم من وجود نسءخٍ حرفي بطريقة "القص واللصق" لكثير من المواد من كتابٍ نشر قبل مايزيد على ثلاث وعشرين سنة. ومما يزيد العجب أن نقرأ تصريح معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله بن صالح العبيد في كلمة التدشين حينما قال عن الميثاق: "فقد أخذ الكثير من الجهد وعكفت على إنجازه العديد من اللجان" .
ولابد من المسارعة إلى القول بأنه لا يمكن إنكار المجهود الجبار لتلك اللجان العديدة التي عكفت على إنجاز هذا الميثاق؛ فقد كانت لها رؤية ثاقبة جدًا ونظرة دقيقة للغاية تمثلت في إجراء تعديلات جوهريّة من مثل تغيير عنوان "التعليم رسالة" إلى "رسالة التعليم"، وتغيير جملة "يدلّهم بكل الطرق على الخير" إلى "يدلّهم على طريق الخير" . كذلك لا يمكن نسيان الكثير من الجهد الذي بذلته تلك اللجان في تغيير نظام الترقيم في الميثاق؛ فقد كانت في النص الأصلي على صيغة (أولا وثانيا وثالثا) فتغيرت بجهد شاق وعمل دؤوب مخلص إلى نظام الأرقام ( 1و 2و3)!
إن الكتاب الذي أخذت منه أغلب مواد الميثاق هو كتاب بعنوان "إعلان مكتب التربية العربي لدول الخليج لأخلاق مهنة التعليم" الصادر في عام 1405ه. ويمكن التوضيح بأن الميثاق قد انتشل أغلب ما في بنود ذلك الإعلان سواء بالنسخ الحرفي لكامل البند أو بأخذ جزء منه أو بتغيير بعض الكلمات والعبارات بعد الاستيلاء على المضمون.
وسوف يتضح للقراء الأعزاء -في مقالة لاحقة بمشيئة الله- مقدار الإضافة التي يمكن نسبتها لهذه الوزارة، ومدى بعد مواد الميثاق عن معطيات العصر الحديث من تقنية وكمبيوتر ووسائل اتّصال؛ لأن مواد هذا الميثاق ببساطة منقولة من مصدر قديم لم يكن فيه لهذه المعطيات دور كبير آنذاك. وهاهو الميثاق الذي يزعم أنه جديد ومواكب لمعطيات العصر وينشر في عام م يُعيدنا ثلاثًا وعشرين سنة إلى الوراء!
جدير بالذكر أن عدم الدقّة في التوثيق العلمي للمصادر أو إهمالها يعدّ خطأ لا يغتفر لطلاب التعليم العام؛ أما التنكّر للمصدر والزعم بأن المعلومة (الميثاق) جاء نتيجة جهد قامت به لجان عديدة عكفت على العمل الجاد وقتًا طويلا، فهو أمر في غاية الغرابة لاسيما وأن معالي وزير التربية والتعليم قد قال واصفًا هذا الميثاق بأنه "يعتبر إنجازاً على كافة الأصعدة ونقطة تحول كبرى في العمل التعليمي" .
ومن العجائب الغريبة أن هذه الوزارة سبق أن نشرت في عهد وزيرها السابق قبل عشر سنوات تقريبًا بنود هذا الميثاق تحت عنوان "أخلاق مهنة التعليم" في دليل المعلم عام 1418ه، وذكرت بوضوح المصدر الذي استقت منه أغلب تلك البنود (انظر الصفحات: 48-52). ومع هذا فإن الوزارة بطاقمها الجديد ولجانها كشفت لنا أنها غير مطلعة على مايجب الاطلاع عليه ضمن تخصصها في عمل الميثاق.
يتبادر إلى الذهن تساؤلات حول دلالة إظهار هذا العمل بأنه من إنتاج هذه الوزارة في حين أن الواقع يبيّن أن جهدها يقتصر في أغلبه على صفّ الحروف على الكيبورد؛ وهذا عمل يستغرق العكوف عليه مدة زمنية قد لاتزيد عن النصف ساعة؟ ثم أين الدقّة العلمية عند أهم جهة معنيّة بتعليم الناشئة الدقة والصدق والأمانة؟ وبأي منطق يمكن تبرير ظهور الميثاق بهذه الصورة؟
والحقيقة أن من يطلع على هذا الخلل المنهجي والأخلاقي يتساءل عن مصدر هذا العبث. فهل هو في اللجان المكلفة بإعداد الميثاق أم في المسؤولين في الوزارة الذين أقروا الميثاق أم في سواهم؟ والمؤكد في كل الأحوال أن وزارة التربية والتعليم ممثلة في معالي الوزير تتحمل هذه المسؤولية ويجب عليها أن توضح للرأي العام موقفها بشفافية.
:تحية قوية:
:تحية قوية: