السلام عليكم ورجمة الله وبركاته
ابدأ حديثي بقول :
الأدب عبارة عن معرفـة ما يحترز به من جميع أنواع الخطأ وهو قسمان
طبعي وكسبي
فالطبعيّ ما فطر عليه الإنسـان من الأخلاق الحسنة والصفات المحمودة كالكرم والحلـم .
والكسبي : ما اكتسبه بالدرس والحفظ والنظر وهو يعرف بأنه علم صناعي تعرف به أساليب الكلام البيلغ في كل حال من أحواله , وهو المدعو بعلم الأدب .
وموضوعه الكلام المنظوم والمنثور من حيث فصاحته وبلاغته
وغاية الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب وتهذيب العقل , وتذكية الجنان
فائدته
يعصم صاحبه من زلة الجهل , ويروض الأخلاق ويلين الطبائع و يعين على المروءة وينهض بالهمم إلى طلب المعالي والأمور الشريفـة .
أركانـه :
له أربعـة أركان الأول : قــُـوى الـعـقل الغريزيـة :
وهي خمسة
الذكاء – الخيال – الحافظة – الحس – الذوق .
ولو تكلمنا عن الذكاء :
الاستعداد التام لإدراك العلوم والمعارف بالفكر وفي كتب اللغـة الذكاء عبارة عن حدة الفؤاد وسرعة الـفطنـة .
الخيال : قوة باطنيـة تحفظ صور المحسوسات بعد غيبوبـة المـادة وهو من أكبر أسباب النجاح في فن الكتابـة .
الحافظـة : قوة من شأنها حفظ ما يدركه العقل من المعاني فتذكره عند الحاجـة ولذلك سميت ذاكرة .
الحس : قوة يتأثر بها لإنسان من صو رالمدركات كاللذة والألم وهو من شروط الكتابـة إذ يعين الكاتب ما يحدث فيه من تأثير على رسم صور المحسوسات رسما محكما فيقتدر إذ ذاك على تحريك العواطف وأستمالة القلوب , إلاّ ترى أن الكلام العذب إذا حلّ في القلب أحدث فيه حركة وهزة .
الذوق : قوة غريزية لها اختصاص بإدراك لطائف الكلام ومحاسنه الخفيـة وتحصل بالمثابرة على الدرس وبالممارسـة لكلام البلغاء وتكراره على السمع والتفطن لمعانيـة وتراكيبه وبتنزيه العقل والقلب عما يفسد الأخـلاق والآداب .
هذا هو الركن الأول من أركان الأدب وما يشملـه من أركان تأتي تحته .
الركن الثاني :معرفة الأصول وهي مجموعـة قوانين الكتابـة وفيها تبيان طرق حسـن التأليف وضروب الإنشاء وفنون الخطابـة . وتنقسم هذه الأصول إلى قسمين عامـة و خاصـة .
فالعامـة :كالتآليف الأدبيـة من منظوم ومنثور في أغراض شتـى
والخاصـة : كالتآليف المفردة بالرسائل والأمثال .
الركن الثالث : مطالعـة تصانيف البلغـاء بالتأني والتبصر فيـهـا ليدخرا لكاتب كلّ لفظ مؤنق شريف وكل معنـى بديع بحيث يتصرف بهما عند الضرورة وشروطها ثلاثـة كالتالي :
1- أن يستقل المطالع بعض علماء اللغـة وأئمـة الأدب فيقتصر على درسـهم حتى ينسج على منوالهـم .
2- أن يطيل النظر في المطالـعة ويردد مرارا ما استحسنه من تصانيفهـم كي يروض الذهن في حلبـة ( ميدان ) سباقهم فيقف على غريب أسلوبهـم وعجيب تراكيبهم .
3- أن ينتقي منها شيئا ما استجاده ( وجده جيدا ) من اللفظ الحر والتراكيب الصحيحـة والمعاني البليغـة ذخرا لذاكرته ومهمازا ( المهماز حديدة تكون في مؤخرة خف الرائد للمهر )لقريحته .
الركن الرابع : الرتياض وهو التدرب بوجوه الإنشاء بأن تتوسع في شرح بعض المعاني فتبينه بأوجه شتى وتنمقه بأشكال البديع بأن تجتهد في وضع بعض مواضيع وجيزة فتصوغ تارة وصف مديـنـة أو مدحا أو تهنئة , وأخرى تسرد مثلا أو تسبك روايـة .. . وأن تحذو حذو المتقدمين في أوضاعهـم باستعمال ألفاظهـم ومعانيهم وبأن تــُـحل التظم فتأتي بـه منثورا نثرا أنيقا ( معجبا ) تعقد النثر فتصوغه صوغا رشيقا( حسنـا )
إلى هنا أنتهـى درسي لهذا اليوم ( بعنوان مبادى ء علم الأدب )
أرجو عدم التعليق حتـى أكمل الدرس وقد يستغرق عدة سنوات .
فلكم جزيل الشكر ومن أراد المشاركـة فليبلغني على الرسائل الخاصـة
ودمتم بخير
[u] معنـى كلـمـة الأدب ]
نجد معناها في العصرا لجاهلي الداعي إلى الطعام فقد قال الشاعر ( طرفة بن العبد ):
نحن في المشتاه ندعو الجفلـى *** لا ترى الآدب فينا ينتقر
ونجدها تستخدم على لسان النبي – صلى الله علي وسلم – بمعنـى التهذيب الخلقي ( أدبني ربي فأحسن تأديبي )
ويستخدمها الشاعر المخضرم سهم بن حنظلة بنفس المعنى فيقول :
لا يمنع الناس منـى ما أردتُولا *** أعطيهـم ما ارادوا حسن ذا أدبا
وفي عصر بني أمتيـة نجد الكلمـة تدور في المعنـى التهذيبي والخلقـي وكذلك المعنـى التعليمي فقد وجدت طائفة من المعلمين يسمى بالمؤدبين يعلمون أولاد الخلفـاء المعرفـة والثقافـة العربية فيعلمونهم الشعر والخطب و أخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام .
وفي العصر العباسي نجد معناها التهذيبي والتعليمي معا فقد ألف ابن المقفع رسالتين هما ( الأدب الصغير – والأدب الكبير ) وبنفس هذا المعنـى سمـى أبو تمام الباب الثالث من ديوان الحماسـة باب الأدب وكذلك نجد أنهم ألفوا كتبا سموها كتب الأدب منها ( البيان والتبيين للجاحظ )و( كتاب الكامل في اللغـة والأدب للمبرد ) و ( عيون ألأخبار لابن قتيبـة ) ولم تقف عند هذا الحد بل تطورت لتشمل كل المعارف فهذا الحسن بن سهل يقول الآداب عشرة ثلاثـة شهرجانيـة وهي ضرب العود ولعب الشطرنج ولعب الصوالج , وثـلاثـة أنوشروانيـة وهي الطب والهندسـة والفروسيـة وثلاثـة عربيـة وهي الشعر والنسب وايام العرب وواحدة أربت عليهن جميعا وهي الحديث والسمر وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس . )
وابن خلدون يقول : تطلق كلمـة أدب على جميع المعارف دينيـة وغير دينيـة وقال :" ألأدب هو حفظ أشعارا لعرب وأخبارهـم والآخذ من كل علم بطرف ".
وهناك كتب كثيرة ألفت في الأدب منها على سبيل المثال :
في أدب القاضي وأدب الوزير وأدب المعاشرة وأدب الحديث وأدب الطعام …
وعند الفرنسيين تعني " كل ما ينتجه العقل والشعور يسمـى ادبا .
هذا ما استطعنا أن نتحدث عنه اليوم عن معنـى كلـمـة أدب )
نستودعكم الله ونلقاكم في الدرس القادم إن شاء الله تعالى