http://www.tawjihe.com/Tawjihe/Jorda…it%/p1.htm
المخدِّراتُ وآثارُها المدمِّرة
ترى المجتمعاتُ في انتشار المخدِّرات بينَ أفرادِها كارثةً، لأضرارها الفتّاكةِ وعواقبها الوخيمة صحّيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً. فمن المعروف أنَّ صِحَّةَ أفرادِ المجتمعِ الجسميَّةَ والعقليَّةَ هي ثروةٌ تَجِبُ المحافظةُ عليها، وإنَّ إهمالَها يُؤدّي إلى تقويض دعائمِ الكِيانِ الاجتماعيّ.
وتُجْمِعُ القوانينُ على أنّ تعاطيَ المخدِّراتِ جريمةٌ، وإدمانَها آفةٌ اجتماعيَّةٌ مدمِّرةٌ، تُذِلُّ الفردَ، وتُحطِّمُه، وتدفعُه إلى الرَّذيلة، وتُهدِّمُ مُثُلَه العُليا، وتَقُودُه إلى التَّبلُّدِ والّلامبالاة، وتُفْقِدُه الشُّعورَ بالمسؤولية، وتُبْعِدُه عن واقعِ الحياةِ، وتؤثِّرُ في صحّته، وصحّةِ حُكمه على الأشياءِ، والأشخاصِ والأعمالِ؛ فيصبحُ خائرَ القُوى ، دائمَ الجلوسِ، قليلَ الحركةِ، غيرَ مُقْبِلٍ على العملِ، لِينتهيَ بهِ الأمرُ نزيلاً في أَحَدِ المستشفياتِ لِعِلاج مَرضٍ عُضْويٍّ مزمنٍ، أو في إحدى المَصحّاتِ العقليّة ، إلى أنْ تنتهيَ حياتُه.
لقد أَثْبَتَ البحثُ العلميُّ أنّ للإدمانِ نتائجَ سلبيّةً على أجهزة الجسم مثلِ القلبِ، والأوعيةِ الدّمويّةِ، والجهازِ التنفّسي، والهَضْميّ، والكبِد؛ حيثُ يؤدّي المخدِّر إلى إبطاءٍ كبيرٍ في سرعةِ ضَرَباتِ القلبِ، وإلى هبوطٍ حادٍّ في ضغطِ الدَّمِ، وإلى ارتشاحٍ في الرِّئتينِ، ممّا يُسبِّبُ اختلالاً في التنفُّسِ. كما تبيّنَ أنَّ للإدمانِ أثَراً في النَّاحيةِ البَدَنيَّةِ للشَّخْصِ المدمِنِ، إذ يَنْعدِمُ النّشاطُ الجسميُّ نتيجةً لِفُقدانِ الشَّهيةِ للطّعام. ويمتَدُّ هذا الأَثَرُ السَّلبيُّ إلى البنكرياسِ، وينتُج عنه مَرَضُ السُّكّري البوليّ. كما يمتدُّ إلى الكَبِد، فيؤثِّرُ في خلاياه، ويؤدّي إلى تليُّفهِ.
ولا تقتصِرُ مشكلاتُ الإدمان وسلبياتُه على حاضِر المدمِن، وإنّما تتجاوزُه إلى مستقبلِه أيضاً، فإنّ سُمومَ الإدمان التي ينتُج عنها مرضُ السَّرطان، تؤثِّرُ بشكلٍ جذريٍّ في حاملاتِ الوِراثة داخلَ الجسمِ البَشَريِّ، ممّا يعني إنجابَ أطفالٍ مشوّهين. كما أنّ للإدمانِ تأثيراً في الدَّورة الدَّمويَّةِ، فقد يُوقِفُها أو يُضعِفُها؛ فتضعُفَ بها مرونةُ الشّرايينِ، بل قد تنسَدُّ أحياناً، وتُصابُ بالتَّصلُّب. ومن المعروف أنَّ ضِيقَ الشَّرايين وتصلُّبَها من أهمِّ أسباب الإصابة بجَلْطةِ القَلْبِ.
إنّ كُلَّ هذه الآثارِ السَلبيَّةِ المدمِّرةِ، ليسَتْ إلاّ أمثلةً للأضرارِ الجسميّةِ والصّحيَّةِ والاجتماعيَّةِ. فكيف يُمْكِنُ تلافي هذه الآفةِ والحدُّ منها ؟ الحقّ أنّ الأُسرةَ تُشكِّل خطَّ الدِّفاعِ الأوَّل في التّصدّي لِخَطَرِ المخدِّرات، فإنّ التّربيةَ السَّليمةَ المتوازِنةَ تَخْلُقُ فرداً قادراً على التحكّم في نفسِه، فلا يخضَعُ للنّزَواتِ، ولا يستمِعُ لِرفاقِ السُّوء. والأُسرةُ الصَّالحةُ تقدِّمُ للمجتمع أفراداً أسوياءَ، أصحّاءَ، يُدْرِكونَ خَطَرَ المخدِّرات، وتأثيرَها السَّلبيّ في واقعِهم ومستقبلِهم؛ فيحاربونها.
أمّا المدرسةُ فلها دورٌ مُهِمٌّ في مكافحة هذا المرضِ الاجتماعيِّ. وذلك بما تزرَعُه في نفوس طَلَبتها من روحِ الخير، والعملِ الإيجابيّ المنتِج، إضافةً إلى توعيتهم بأضرارِ هذه الآفةِ على الفرد والأُسرة والمجتمع.
ولِدُورِ العِبادة أثَرٌ إيجابيٌّ مُهمٌّ في التّصدّي لهذه الظاهرة، وحثّ مَنْ يقَعون في حبائلها على التخلُّصِ منها؛ لأِنَّ تعاطي المخدِّراتِ ضَرْبٌ من السُّكْرِ الذي تُحرِّمُه الشرائعُ السّماويةُ. ولوسائل الإعلام، المرئيَّةِ، والمسموعةِ، والمقروءةِ، دَوْرٌ طليعيّ في مكافحةِ المخدِّرات؛ لأنّ لهذه الوسائل القُدْرةَ على التَّأثيرِ في الرأيِ العامِّ، وخَلْقِ الوَعيِ بخَطَر الإدمان، وتكوين رأيٍ عامٍّ مناهضٍ له.
إنّ أسبابَ انتشارِ هذه الآفةِ، فيما يرى المختصُّون، كثيرةٌ ومتداخِلةٌ، حيث يَصْعُبُ الفَصْلُ بينَها، مثلَما يصعُبُ تحديدُ سببٍ واحدٍ لها؛ فهي مزيجٌ من الأسباب الاجتماعيَّةِ والنّفْسِيّةِ والبيئيّة.
ومِنَ الضَّروريِّ أنْ نُنَبِّه على أنّ واقعَ الشّبابِ الصّعْبَ الذي يظهَرُ في الفَقْـرِ، والبَطالةِ، لا يَصِحُّ أنْ يقودَ هؤلاء الشَّبابَ إلى الخروج على قِيَمِ المجتمع ، وقوانينِه، أو ابتكارِ الوسائلِ والأَساليبِ للانحراف، بهَدفِ التَّكيُّفِ المزعومِ معَ ذلك الواقِعِ الصَّعْبِ. فإنّ انهيارَ القِيَمِ وانعدامَ الإيمانِ، يَقُودانِ إلى الضَّياعِ والفَوْضى والدَّمار.
لقد قال أجدادُنا قديماً : دِرْهَمُ وِقايةٍ خيرٌ من قِنْطارِ علاج. فعلى المجتمع أنْ يضعَ سياسةً وِقائيّةً، تشترِك فيها مؤسَّساتُ المجتمعِ كلُّها، لتمنَع انتشارَ الآفةِ أو تحُدَّ منها، ولِتعالجَ حالاتِ الإدمانِ بعدَ اكتشافِها . كما يَجِبُ الاهتمامُ بحَمَلات التّوعيةِ الصحِّيَّة والنّفْسيّة، فيشترِكُ البَيْتُ، والمدرسةُ، ووِزارةُ الصِّحةِ، ودُورُ العِبادةِ، والجمعيّاتُ الخيريّة في بَلْوَرةِ هذه الحَمَلاتِ الوِقائيَّة، التي ستعودُ بالنّفْعِ على المجتمع كلِّه، إنْ أُحْسِنَ التّخطيطُ لها.
محمد سلامة غباري
الإدمان : أسبابه ونتائجه وعلاجه / دراسة ميدانية
بتصرف