تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ومضات من الإعجاز العلمي

ومضات من الإعجاز العلمي

  • بواسطة

ومضات .. من الإعجاز العلمي
في ليالي القرآن تحب النفس أن تطوف في رياضه الغناء، وتفتح مجامع قلوبها وحواسها بشذاه الفواح، يعطر النفوس ويعلم العقول فتسجد خاشعة في محراب العظمة الإلهية

من وجوه إعجاز القرآن ما يثبته العلم الحديث في ثورته الهائلة في القرنين الأخيرين من حقائق أشار إليها القرآن الكريم قبل ثلاثة عشر قرنا من اكتشافها، وصار هذا الوجه الإعجازي داعية إلى الله اجتذب إلى رحاب الإسلام أعدادا كبيرة من الناس من العامة والخاصة، ومنهم علماء وباحثون أفذاذ في مجالاتهم وكان هذا نفسه إعجازا متجددا لقول الحق تبارك وتعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"

وهو أيضا إعجاز رباني من الله العليم الذي جعل لكل زمان وجها إعجازيا في القرآن يأخذ دوره في الدعوة، فلئن كان أوائلنا مبهورين بعظمة لغة القرآن وكمال بلاغته، فإن أهل العصر الحديث الذين فسدت سلائقهم وانعدمت الذائقة اللغوية عندهم ـ إلا قليلا ـ وصاروا يمجدون العقل ويقدسون المادة شاء الله تعالى أن تكون تلك الإشارات العلمية سبب هدايتهم إلى الحق، وهو وجه إعجازي رائع فعلا لا سيما لغير العرب ممن لا يفهمون القرآن بلغته الأصلية، لكنهم يحرصون على فهمه بعد نقل معانيه إلى لغتهم، ويبقى الإعجاز اللغوي أصل التحدي الذي أعجز العرب وقت نزوله، وما زال معجزا بلغته وعلمه وتشريعه، ولا عجب أن يكون كذلك وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

ومما يهتم به العلماء كثيرا في مجال إثبات الإعجاز القرآني (تاريخ العلوم)، فإن كل علم يعرف تطوره، ومقدار معرفة الناس منه، لذلك يسهل تحديد متى عرف البشر هذه الحقيقة العلمية ومالفترة التي بقيت فيها غائبة عنهم، ويقارن ذلك بالفترة التي مضت منذ نزول القرآن الكريم في عصر جاهلي لم يؤت من العلم شيئا، بل ظلت هذه الإشارات العلمية خفية إلى قرنين أو أقل ، فأنى لبشر أن يأتي به؟

** من تلك الإشارات قوله عز وجل:
"وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ. أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ"

تبين الآيات ضياع أعمال الكفار وعدم قبولها ، وتبين كفر الكفار وظلمة حياتهم على قول الجرجاني ، فتشبه ذلك بالظلمات التي تكون في بحر لجي عميق، شديد الإظلام به موج يعلوه موج آخر، ومن فوقهما السحاب. وهذا الوصف وصف كامل لحالة البحار في الأعماق، وهذا ما لم يعرفه البشر إلا في القرن العشرين حين وصلوا الأعماق بالغواصات، فاكتشفوا الحقيقة بل الحقائق التي تتجلى في هذا التشبيه القرآني الدقيق

فتراكم الظلمات يتجلى أولا في ظلمة الألوان التدريجية، فإن الألوان حين تخترق سطح البحر لا تخترقه كلها، بل يتوقف كل لون من الألوان السبعة التي تكون الشعاع الضوئي عند حد معين حسب طول موجته، فاللون الأحمر يمتص عند العشرين مترا الأولى، وبعدها لا يمكن رؤية هذا اللون أبدا، فتتحقق ظلمة اللون الأحمر، وبعد أمتار أخرى تبدأ ظلمة اللون البرتقالي، ثم ظلمة اللون الأزرق، وهكذا، فهذه بعض أنواع الظلمات
ثم يبدأ الإظلام التام بدءا من 200 كيلو متر من سطح البحر حيث لا يرى شيء على ذلك العمق ، وتحتاج الغواصات إلى أجهزة إنارة خاصة لترى ما حولها، ومخلوقات هذا المكان وما هو أسفل منه لها أنوار ذاتية تضيء لها الطريق، وهذه الظلمة التامة لم تكن معروفة من قبل، إذ إن البحر السطحي حين ينزله المرء يكون فيه شيء من ضوء
أما الحقيقة العلمية الثالثة في هذه الآية فهي الأمواج الداخلية، فالمعروف أن الأمواج تكون على السطح، ولكن لم يعرف الإنسان أن هناك أمواجا داخلية إلا في القرن العشرين، حيث تبين أن هناك بحرا أسفل البحر الذي نراه، فالبحار ليست متجاورة فحسب، بل هي متطابقة بعضها فوق بعض، وبالتالي فالظلمات أيضا متطابقة. وهذه الأمواج يمكن أن تعتبر فاصلا بين منطقة البحر السطحي، ومنطقة البحر العميق حيث الظلمة التامة، وفوقها ظلمات متدرجة للألوان، وفوقها ظلمة الأمواج السطحية التي تعكس الضوء فتسبب الظلمة، وفوقها ظلمة السحاب، فالسحاب له ظل يؤدي إلى إظلام، فهي ظلمات متطابقة تشبه حال الكافر في ظلمة حياته مهما ظن أنها سعيدة مشرقة

** وقال عز وجل: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" (النمل:88)
نراها بعظمتها وضخامتها فنظنها ثابتة جامدة، لكن القرآن يقول إنما ذاك ما تحسبونه، لكن الحقيقة مختلفة، فهي متحركة كحركة السحاب، وإن تأملنا في هذا التشبيه وجدنا أن السحاب لا يتحرك بنفسه، بل تحركه الرياح، وكذلك الجبال فهي ليست ذاتية الحركة، بل حركتها ناجمة عن حركة الأرض، فالآية إذن تثبت الحركة للجبال وللأرض أيضا، وتؤكد دورانها حول نفسها بإشارة لطيفة عن حركة الجبال التي نحسبها ثابتة لأن الأرض بما عليها تدور بسرعة واحدة، (ولتقريب الصورة يكفي أن نتصور قطارين انطلقا في نفس الوقت والاتجاه والسرعة، فالراكب في واحد منهما إذا نظر إلى الراكب الموازي له في القطار الآخر يظنه جامدا لا يتحرك)

** ولنتأمل في الآيات التي تتحدث عن الصعود في السماء: "تعرج الملائكة والروح إليه" ، و" وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ" ، وفي وصف السماء قال تعالى: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ"
السماء ذات حبك أي ذات طرق، والسير في السماء يكون بحركة العروج التي عبر عنها القرآن بهذا الوصف في أكثر من موضع، ولم يصفها بالصعود أو السير ، فهناك ممرات خاصة في الغلاف الجوي يمكن عن طريقها الصعود في السماء، ضمن مسارات معينة تحددها الآن أجهزة إلكترونية بدقة لتضبط حركة المركبات الفضائية في صعودها للفضاء ونزولها إلى الأرض، ولا بد من الالتزام بهذه الممرات والأبواب وإلا احترقت قبل وصولها للأرض أو بقيت في الفضاء الخارجي. ومن هذه الطرائق في السماء طرائق تمنع الإشعاعات الكونية القاتلة من الوصول إلى الأرض لتحميها من آثارها الضارة. فسبحان الله منزل القرآن معلم البيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.